كنيسة القيامة من أعرق كنائس بيت المقدس ،استغرق العمل في بنائها أحد عشر عاما إذ بدأ عام ثلاثمائة وخمسة وعشرين وانتهى عام ثلاثمائة وستة وثلاثين للميلاد.
أشرفت على بنائها الملكة هيلانه والدة الإمبراطور قسطنطين ..ويتردد أن هيلانة عثرت أثناء زيارتها إلى بيت المقدس على ما اعتقدت أنه خشبة الصليب الذي علق عليه السيد المسيح ،وأرادت بناء كنيسة في المكان.
لبى الإمبراطور رغبة والدته ،ولم يوفر مالا ولا حرفيين أو خبراء في سبيل بناء كنيسة لائقة، وأشرف على البناء بشكل مباشر مهندس سوري اسمه"زينو بيوس،ورجل دين من شيوخ الكنيسة اسمه يوستاثيوس.
تم تكريس كنيسة القيامة سنة ثلاثمائة وست وثلاثين ،وتوجه الأساقفة الذين كانوا يحضرون مجمعا محليا في صور إلى بيت المقدس للمشاركة في حفل التكريس الذي أعلنت فيه قدسية كنسية القيامة أو الضريح المقدس .
يمكن تميز الكنيسة بوضوح في خارطة مأدبا الفسيفسائية ،حيث كان يدخلها الناس من باب ثلاثي لا تزال أقسام منه قائمة حتى اليوم .
وبني فوق الضريح المقدس بناء مدور ،وبنيت ما بين الباب والمبنى الدور باسيليكا كبيرة ،وخمسة أروقة بين الأعمدة مع جناح مدور بارز في ساحة متسعة ،فبقي موضع الصليب منعزلا على حدة باعتباره مزارا قائما بذاته .
تميز البناء بجلال التصميم ووفرة الزينة ،وأدخلت عليه تحسينات باستمرار منها التزينات التي قامت بها الإمبراطورة يودقيا في منتصف القرن الخامس للميلاد.
تمتعت كنيسة القيامة ولا تزال بأهمية استثنائية وقد وصفها الرحالة المسلمون الذين زاروا بيت المقدس ومنهم ناصر خسروا الذي يقول:"للنصارى في بيت المقدس كنيسة لها عندهم مكانة عظيمة ويحج إليها كل سنة كثير من بلاد الروم.
وهذه الكنيسة فسيحة ،وهي عظيمة الزخزف من الرخام الملون والنقوش والصور .في كنيسة القيامة دير للرهبان الفرنسيين الذين يخدمون في الكنيسة ،وهم ينتسبون إلى القديس فرنسيس الأسيزي الذي جاء إلى القدس سنة ألف ومائتين وتسع عشرة،ووافق البابا اكلمنطس السادس ببراءة بابوية سنة ألف وثلاثمائة واثنين وأربعين على وجود الفرنسيين في الكنيسة على أن يكونوا حراس الأراضي المقدسة باسم العالم الكاثوليكي وقد قاموا بترميم الكنيسة مرتين أخراهما سنة ألف وسبعمائة وتسع عشرة ،وأقاموا فيها بناء جديدا سنة ألف وتسعمائة وسبع وستين .
وللرهبان الفرنسيسيين حصة وافرة في كنيسة القيامة ،في كل يوم يقيمون الصلاة إلى جانب طواف يومي في مختلف ربوعها .
إلى جانب هذا الدير الكاثوليكي ،هناك الأديار الأرثوذكسية وأولها دير الروم الأرثوذكس ،أسس بطريك القدس اليوناني جرمانوس أخوية القبر المقدس ،بعد الاحتلال العثماني لفلسطين ويعد أعضاء هذه الأخوية حراس الأراضي المقدسة باسم العالم الأرثوذكسي .
للرهبان الذين يخدمون في الكنيسة مساكن في القيامة عينها وعند ساحة القيامة شرقا يقوم دير القديس إبراهيم الذي اشتروه سنة ألف وستمائة وستين من الأحباش .
منذ أيام البطريك جرمانوس ،عمل الروم الأرثوذكس اليونان على التوسيع في كنيسة القيامة وبعد احتراقها سنة ألف وثمانمائة وثمان ،توصلوا إلى الانفراد بترميم أكبر قسم منها بموجب مخططاتهم ،ولهم اليوم أكبر حصة فيها ،ومنها محور الكنيسة المعروف بنصف الدنيا ،وفي كل يوم يقيمون الصلاة هناك .
وللأرمن الأرثوذكس بعض المساكن في كنيسة القيامة ،ولهم الحصة الثالثة فيها ومنها قسم الرواق الذي يشرف على القبر المقدس وكنيسة القديسة هيلانة ،وهم بدأوا التوسع في الكنيسة منذ القرن السابع عشر الميلادي ،وفي كل يوم يقميون الصلاة هناك .
أما الأقباط الأرثوذكس ،فلهم مكانة ثانوية في الكنيسة ،يؤدون صلواتهم في معبد صغير بنوه ملاصقا للقبر المقدس ،سنة ألف وخمسمائة وأربعين ،ثم جدد بعد حريق سنة ألف وثمانمائة وثمان .
وأخيرا يقيم السريان الأرثوذكس الصلاة كل أحد في معبد للأرمن يقوم حنيه القبر المقدس الغربية .
ولا شك في أن أعظم احتفالات كنيسة القيامة عند جميع الطوائف المسيحية هي احتفالات الأسبوع المقدس والفصح ،التي تتم في أقدس مكان مسيحي في القدس .